فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم




.مباحث لغوية مهمة:

.قال الفخر:

.الباب الأول: في المباحث المتعلقة بالكلمة، وما يجري مجراها:

وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن أكمل الطرق في تعريف مدلولات الألفاظ هو طريقة الاشتقاق، ثم إن الاشتقاق على نوعين: الاشتقاق الأصغر، والاشتقاق الأكبر، أما الاشتقاق الأصغر فمثل اشتقاق صيغة الماضي والمستقبل من المصدر، ومثل اشتقاق اسم الفاعل واسم المفعول وغيرهما منه، وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن الكلمة إذا كانت مركبة من الحروف كانت قابلة للانقلابات لا محالة، فنقول: أول مراتب هذا التركيب أن تكون الكلمة مركبة من حرفين ومثل هذه الكلمة لا تقبل إلا نوعين من التقليب، كقولنا: من وقلبه نم وبعد هذه المرتبة أن تكون الكلمة مركبة من ثلاثة أحرف كقولنا: حمد وهذه الكلمة تقبل ستة أنواع من التقليبات، وذلك لأنه يمكن جعل كل واحد من تلك الحروف الثلاثة ابتداء لتلك الكلمة، وعلى كل واحد من التقديرات الثلاث فإنه يمكن وقوع الحرفين الباقيين على وجهين لكن ضرب الثلاثة في اثنين بستة فهذه التقليبات الواقعة في الكلمات الثلاثيات يمكن وقوعها على ستة أوجه، ثم بعد هذه المرتبة أن تكون الكلمة رباعية كقولنا: عقرب، وثعلب وهي تقبل أربعة وعشرين وجهاً من التقليبات، وذلك لأنه يمكن جعل كل واحد من تلك الحروف الأربعة ابتداء لتلك الكلمة، وعلى كل واحد من تلك التقديرات الأربعة فإنه يمكن وقوع الحروف الثلاثة الباقية على ستة أنواع من التقليبات، وضرب أربعة في ستة يفيد أربعة وعشرين وجهاً، ثم بعد هذه المرتبة أن تكون الكلمة خماسية كقولنا: سفرجل وهي تقبل مائة وعشرين نوعاً من التقليبات، وذلك لأنه يمكن جعل كل واحد من تلك الحروف الخمسة ابتداء لتلك الكلمة وعلى كل واحد من هذه التقديرات فإنه يمكن وقوع الحروف الأربعة الباقية على أربعة وعشرين وجهاً على ما سبق تقريره، وضرب خمسة في أربعة وعشرين بمائة وعشرين والضابط في الباب أنك إذا عرفت التقاليب الممكنة في العدد الأقل ثم أردت أن تعرف عدد التقاليب الممكنة في العدد الذي فوقه فاضرب العدد الفوقاني في العدد الحاصل من التقاليب الممكنة في العدد الفوقاني، والله أعلم.
المسألة الثانية: اعلم أن اعتبار حال الاشتقاق الأصغر سهل معتاد مألوف، أما الاشتقاق الأكبر فرعايته صعبة، وكأنه لا يمكن رعايته إلا في الكلمات الثلاثية لأن تقاليبها لا تزيد على الستة، أما الرباعيات والخماسيات فإنها كثيرة جداً، وأكثر تلك التركيبات تكون مهملة فلا يمكن رعاية هذا النوع من الاشتقاق فيها إلا على سبيل الندرة.
وأيضاً الكلمات الثلاثية قلما يوجد فيها ما يكون جميع تقاليبها الممكنة معتبرة. بل يكون في الأكثر بعضها مستعملاً وبعضها مهملاً، ومع ذلك فإن القدر الممكن منه هو الغاية القصوى في تحقيق الكلام في المباحث اللغوية.
المسألة الثالثة: في تفسير الكلمة: اعلم أن تركيب الكاف واللام والميم بحسب تقاليبها الممكنة الستة تفيد القوة والشدة، خمسة منها معتبرة، وواحدة ضائع، فالأول: ك ل م فمنه الكلام، لأنه يقرع السمع ويؤثر فيه، وأيضاً يؤثر في الذهن بواسطة إفادة المعنى، ومنه الكلم للجرح، وفيه شدة، والكلام ما غلظ من الأرض، وذلك لشدته.
الثاني: ك م ل لأن الكامل أقوى من الناقص، والثالث: ل ك م ومعنى الشدة في اللكم ظاهر، والرابع: م ك ل ومنه بئر مكول إذا قل مائها، وإذا كان كذلك كان ورودها مكروهاً فيحصل نوع شدة عند ورودها.
الخامس: م ل ك يقال ملكت العجين إذا أمعنت عجنه فاشتد وقوى، ومنه ملك الإنسان لأنه نوع قدرة، وأملكت الجارية لأن بعلها يقدر عليها.
المسألة الرابعة: لفظ الكلمة قد يستعمل في اللفظة الواحدة ويراد بها الكلام الكثير الذي قد ارتبط بعضه ببعض كتسميتهم القصيدة بأسرها كلمة، ومنها يقال: كلمة الشهادة، ويقال: الكلمة الطيبة صدقة، ولما كان المجاز أولى من الاشتراك علمنا أن إطلاق لفظ الكلمة على المركب مجاز، وذلك لوجهين:
الأول: أن المركب إنما يتركب من المفردات، فإطلاق لفظ الكلمة على الكلام المركب يكون إطلاقاً لاسم الجزء على الكل.
والثاني: أن الكلام الكثير إذا ارتبط بعضه ببعض حصلت له وحدة فصار شبيهاً بالمفرد في تلك الوجوه، والمشابهة سبب من أسباب حسن المجاز، فأطلق لفظ الكلمة على الكلام الطويل لهذا السبب.
المسألة الخامسة: لفظ الكلمة جاء في القرآن لمفهومين آخرين:
أحدهما: يقال لعيسى كلمة الله، إما لأنه حدث بقوله: كن أو لأنه حدث في زمان قليل كما تحدث الكلمة كذلك.
والثاني: أنه تعالى سمى أفعاله كلمات، كما قال تعالى في الآية الكريمة: {قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى} [الكهف: 109] والسبب فيه الوجهان المذكوران فيما تقدم والله أعلم.
المسألة السادسة في القول: هذا التركيب بحسب تقاليبه الستة يدل على الحركة والخفة:
فالأول: ق ول فمنه القول؛ لأن ذلك أمر سهل على اللسان.
الثاني: ق ل و ومنه القلو وهو حمار الوحش، وذلك لخفته في الحركة ومنه قلوت البر والسويق فهما مقلوان، لأن الشيء إذا قلي جف وخف فكان أسرع إلى الحركة، ومنه القلولي، وهو الخفيف الطائش.
والثالث: وق ل الوقل الوعل، وذلك لحركته، ويقال توقل في الجبل إذا صعد فيه.
والرابع: ول ق يقال: ولق يلق إذا أسرع، وقرئ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15] أي: تخفون وتسرعون.
والخامس: ل وق كما جاء في الحديث: «لا آكل الطعام إلا ما لوق لي» أي: أعملت اليد في تحريكه وتليينه حتى يصلح، ومنه اللوقة وهي الزبدة قيل لها ذلك لخفتها وإسراع حركتها لأنه ليس بها مسكة الجبن والمصل.
والسادس: ل ق و ومنه اللقوة وهي العقاب، قيل لها ذلك لخفتها وسرعة طيرانها، ومنه اللقوة في الوجه لأن الوجه اضطرب شكله فكأنه خفة فيه وطيش، واللقوة الناقة السريعة اللقاح.
المسألة السابعة: قال ابن جني رحمه الله تعالى: اللغة فعلة من لغوت أي: تلكمت، وأصلها لغوة ككرة وقلة فإن لاماتها كلها واوات، بدليل قولهم كروت بالكرة وقاوت بالقلة، وقيل فيه لغى يلغى إذا هذا، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً} [الفرقان: 72] قلت: إن ابن جني قد اعتبر الاشتقاق الأكبر في الكلمة والقول ولم يعتبره هاهنا، وهو حاصل فيه:
فالأول: ل غ و ومنه اللغة ومنه أيضاً الكلام اللغو، والعمل اللغو.
والثاني: ل وغ ويبحث عنه.
والثالث: غ ل و ومنه يقال: لفلان غلو في كذا، ومنه الغلوة.
والرابع: غ ول ومنه قوله تعالى: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47].
والخامس: وغ ل ومنه يقال: فلان أوغل في كذا.
والسادس: ول غ ومنه يقال: ولغ الكلب في الإناء، ويشبه أن يكون القدر المشترك بين الكل هو الإمعان في الشيء والخوض التام فيه.
المسألة الثامنة في اللفظ: وأقول: أظن أن إطلاق اللفظ على هذه الأصوات والحروف على سبيل المجاز، وذلك لأنها إنما تحدث عنه إخراج النفس من داخل الصدر إلى الخارج فالإنسان عند إخراج النفس من داخل الصدر إلى الخارج يحبسه في المحابس المعينة، ثم يزيل ذلك الحبس، فتتولد تلك الحروف في آخر زمان حبس النفس وأول زمان إطلاقه، والحاصل أن اللفظ هو: الرمي، وهذا المعنى حاصل في هذه الأصوات والحروف من وجهين:
الأول: أن الإنسان يرمي ذلك النفس من داخل الصدر إلى خارجه ويلفظه، وذلك هو الإخراج، واللفظ سبب لحدوث هذه الكلمات، فأطلق اسم اللفظ على هذه الكلمات لهذا السبب.
والثاني: أن تولد الحروف لما كان بسبب لفظ ذلك الهواء من الداخل إلى الخارج صار ذلك شبيهاً بما أن الإنسان يلفظ تلك الحروف ويرميها من الداخل إلى الخارج، والمشابهة إحدى أسباب المجاز.
المسألة التاسعة، العبارة: وتركيبها من ع ب ر وهي في تقاليبها الستة تفيد العبور والانتقال:
فالأول: ع ب ر ومنه العبارة لأن الإنسان لا يمكنه أن يتكلم بها إلا إذا انتقل من حرف إلى حرف آخر؛ وأيضاً كأنه بسبب تلك العبارة ينتقل المعنى من ذهن نفسه إلى ذهن السامع، ومنه العبرة لأن تلك الدمعة تنتقل من داخل العين إلى الخارج، ومنه العبر لأن الإنسان ينتقل فيها من الشاهد إلى الغائب. ومنه المعبر لأن الإنسان ينتقل بواسطته من أحد طرفي البحر إلى الثاني، ومنه التعبير لأنه ينتقل مما يراه في النوم إلى المعاني الغائبة.
والثاني: ع ر ب ومنه تسمية العرب بالعرب لكثرة انتقالاتهم بسبب رحلة الشتاء والصيف ومنه فلان أعرب في كلامه لأن اللفظ قبل الإعراب يكون مجهولاً فإذا دخله الإعراب انتقل إلى المعرفة والبيان، والثالث: ب ر ع ومنه فلان برع في كذا إذا تكامل وتزايد.
الرابع: ب ع ر ومنه البعر لكونه منتقلاً من الداخل إلى الخارج.
الخامس: ر ع ب ومنه يقال للخوف رعب لأن الإنسان ينتقل عند حدوثه من حال إلى حال أخرى، والسادس: ر ب ع ومنه الربع لأن الناس ينتقلون منها وإليها.
الفرق بين الكلمة والكلام:
المسألة العاشرة: قال أكثر النحوين: الكلمة غير الكلام، فالكلمة هي اللفظة المفردة، والكلام هو الجملة المفيدة، وقال أكثر الأصوليين إنه لا فرق بينهما، فكل واحد منهما يتناول المفرد والمركب، وابن جني وافق النحويين واستبعد قول المتكلمين، وما رأيت في كلامه حجة قوية في الفرق سوى أنه نقل عن سيبويه كلاماً مشعراً بأن لفظ الكلام مختص بالجملة المفيدة، وذكر كلمات أخرى إلا أنها في غاية الضعف، أما الأصوليون فقد احتجوا على صحة قولهم بوجوه:
الأول: أن العقلاء قد اتفقوا على أن الكلام ما يضاد الخرس والسكوت، والتكلم بالكلمة الواحدة يضاد الخرس والسكوت، فكان كلاماً.
الثاني: أن اشتقاق الكلمة من الكلم، وهو الجرح والتأثير، ومعلوم أن من سمع كلمة واحدة فإنه يفهم معناها، فهاهنا قد حصل معنى التأثير، فوجب أن يكون كلاما.
والثالث: يصح أن يقال: إن فلاناً تكلم بهذه الكلمة الواحدة، ويصح أن يقال أيضاً: أنه ما تكلم إلا بهذه الكلمة الواحدة، وكل ذلك يدل على أن الكلمة الواحدة كلام، وإلا لم يصح أن يقال تكلم بالكلمة الواحدة.
الرابع: أنه يصح أن يقال تكلم فلان بكلام غير تام، وذلك يدل على أن حصول الإفادة التامة غير معتبر في اسم الكلام.
مسألة فقهية في الطلاق:
المسألة الحادية عشرة: تفرع على الاختلاف المذكور مسألة فقهية، وهي أولى مسائل أيمان الجامع الكبير لمحمد بن الحسن رحمه الله تعالى، وهي أن الرجل إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها: إن كلمتك فأنت طالق ثلاث مرات، قالوا: إن ذكر هذا الكلام في المرة الثانية طلقت طلقة واحدة، وهل تنعقد هذه الثانية طلقة؟ قال أبو حنيفة وصاحباه: تنعقد، وقال زفر: لا تنعقد، وحجة زفر أنه لما قال في المرة الثانية إن كلمتك فعند هذا القدر من الكلام حصل الشرط، لأن اسم الكلام اسم لكل ما أفاد شيئاً، سواء أفاد فائدة تامة أو لم يكن كذلك وإذا حصل الشرط حصل الجزاء، وطلقت عند قوله إن كلمتك، فوقع تمام قوله: أنت طالق خارج تمام ملك النكاح، وغير مضاف إليه، فوجب أن لا تنعقد، وحجة أبي حنيفة أن الشرط وهو قوله إن كلمتك غير تام، والكلام اسم للجملة التامة، فلم يقع الطلاق إلا عند تمام قوله إن كلمتك فأنت طالق، وحاصل الكلام أنا إن قلنا إن اسم الكلام يتناول الكلمة الواحدة كان القول قول زفر، وإن قلنا إنه لا يتناول إلا الجملة فالقول قول أبي حنيفة ومما يقوي قول زفر أنه لو قال في المرة الثانية إن كلمتك وسكت عليه ولم يذكر بعده قوله: فأنت طالق طلقت، لولا أن هذا القدر كلام وإلا لما طلقت، ومما يقوي قول أبي حنيفة أنه لو قال: كلما كلمتك فأنت طالق ثم ذكر هذه الكلمة في المرة الثانية فكلمة كلما توجب التكرار فلو كان التكلم بالكلمة الواحدة كلاماً لوجب أن يقع عليه الطلقات الثلاث عند قوله في المرة الثانية: كلما كلمتك وسكت عليه ولم يذكر بعده قوله: فأنت طالق لأن هذا المجموع مشتمل على ذكر الكلمات الكثيرة، وكل واحد منها يوجب وقوع الطلاق وأقول: لعل زفر يلتزم ذلك.